التقية في اللغة يراد بها الحذر ، وأهل السنة اعتبروها رخصة عند الضرورة ، وهل من ضرورة/أزمة، أكثر من هذه المرحلة التي تمر بها حركة حماس وحكمها لقطاع غزة؟
الوثيقة التقية: شخصياً لم أر في الوثيقة أكثر من بيان صحفي أو إعلان مبادئ، لا يجُب (يلغي) الميثاق التأسيسي للحركة، بل مبادئ أبقت الباب موارباً على كل التفسيرات حفاظاً على "المتطرفين والمعتدلين" داخل الحركة في آن – تقية-.
الوثيقة كما يقول خالد الحروب هي "رسملة وشرعنة كل تصريحات قيادات حركة حماس"، فمثلاً الإعتراف بدولة على حدود 67 جاء على لسان الشهيد أحمد ياسين قبل أبو مرزوق وخالد مشعل وغيرهم، وها هو الإعتراف يرسمل في وثيقة، تقول الشيء وضده!
تبدو "التقية" نهجاً أكثر وضوحاً اتبعته حماس في سنوات "الرمادة" التي تمر بها منذ سقوط نظام الإخوان في مصر، وتوقيعها على اتفاق الشاطئ الذي لم يلب شروطها السابقة، ومع ذلك وقعت عليه "تقية" ووافقت على حكومة "توافق" هي أبعد ما تكون عن التوافق، واعترفت بها لفظياً "تقية"، في حين استمرت في حكم القطاع عبر حكومة حمساوية- غير معلنة رسمياً- يعرفها كل صغير وكبير برئاسة الظاظا، فحماس تخلق حقائق على الأرض لتضيف ملفاً جديداً لملفات المصالحة يحفظ موقفها في ملفات على الطاولة كالموظفين والمعابر والأمن! إذن هل هي "التقية" التي منعت حماس من الإعلان عن حكومتها الفعلية لثلاث سنوات؟
وأعود لتوقيت إخراج الوثيقة التي تم العمل عليها أربع سنوات- كما صرحت قيادات حماس- هل من مغزى للإعلان عنها في 1 أيار؟ أي في اليوم الرابع عشر لإضراب الأسرى؟ هل كانت ستفقد بريقها ووظيفتها لو تأجلت لما بعد انتهاء الاضراب؟ ما ضير الانتظار أربع سنوات وشهر أو شهرين؟
وهل كان خروج الناطق باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" -في اليوم التالي لإعلان الوثيقة-ليهدد الاحتلال في حال عدم استجابته لمطالب إضراب الأسرى، استرضاء لمن لم ترضهم الوثيقة ورأوا فيها خروجاً عن مبادئ الحركة، وفي ذات الوقت التكفير عن تقصير الحركة تجاه إضراب الأسرى؟
إذن، كيف سنقرأ حديث خالد مشعل ل«سي إن إن» ودعوته دول العالم- أمريكا تحديداً التي كان يزورها الرئيس- لالتقاط الفرصة للتعامل مع حماس في اليوم التالي لتهديدات "أبو عبيدة"؟
أم تم الاستعجال بالإعلان استدراكاً لانتخابات الجناح الأكثر تشدداً في الحركة لقيادة غزة وصدمة قطر وتركيا بهذه النتائج؟
حماس فقدت –مؤقتاً- دعمها الخارجي، وبقيت أمامها الحاضنة الشعبية المسجونة في قطاع محاصر منذ عشر سنوات، حاضنة تقدس المقاومة ولكنها صارت أكثر وعياً في التفريق بين المقاومة وبين متطلبات الحكم! التعامل مع هذه الحاضنة هو مؤشر القياس لأداء حماس الداخلي اتجاه هذه الحاضنة التي تغنت بها وثيقة إعلان المبادئ الحمساوية وتعهدت لها بالدعم، وسقطت في أول امتحان ترجمة للتعددية والشراكة الوطنية عبر خطف/اعتقال للنشطاء والصحافيين بتهم تعددت من التحريض إلى إثارة أو تناقل الإشاعات التي تمس بالأمن القومي والنسيج الاجتماعي، وملاحقة ومنع حركة فتح من القيام بأي فعاليات تضامن مع الأسرى أو مع أنفسهم!
وباعتبار ملف الأسرى والشهداء، من الملفات الحساسة لدى الفلسطينيين جميعاً، وهذا يفسر –جزئياً- حالة الغضب الشديد لاغتيال الشهيد- الأسير المحرر- الفقهاء والمطالبات بسرعة الكشف والقصاص من الجناة. الإغتيال الذي تم قبل ثلاثة أسابيع من بدء إضراب الأسرى، وخروج إسماعيل هنية في 11 أيار للإعلان عن كشف الجناة، ولاحقاً مؤتمر الداخلية للإعلان عن تفاصيل الإغتيال واعتقال 45 عميلاً للإحتلال، لا أفسره إلا في خانة البحث المضني عن نصر للحركة التي تراجعت شعبيتها في ظل عدم قدرتها على الاستجابة لمطالب "الرعايا" الذين تزعم مسؤوليتها عنهم- ولن أعتبره حرفاً لبوصلة إسناد الأسرى في معركتهم التي تدخل مرحلة كسر العظم حتى الموت-!
العدوان يأتي من الخارج، وحركة حماس تسجل نصراً على الداخل، ومرة أخرى يأتي السؤال، ألم يكن بالإمكان تأجيل الإعلان ولاحقاً المحاكمات- السريعة- لشحذ الهمم وشحن الناس لمعركة إسناد الأسرى؟
حماس أعلنت وثيقتها قبل يومين من لقاء عباس بترامب، هدية- ليست مجانية- للرئيس أعفته من سؤال قدرته على تطويع حركة حماس، وفي ذات الوقت لم تسند إضراب الأسرى بأي مما يمكن أن يسجل لها في معركة الكرامة والحرية، - تماماً كما فعل عباس الذي غاب تماماً عن هذه المعركة، فهل هي هدية أخرى- ليست مجانية- تقدمها الحركة له؟
حماس وحدها تمتلك مفاتيح الإجابة، بالذات وقد غابت عن الخارطة الدولية والإقليمية التي تعج بحراكات من كل شكل ونوع، ويبدو أن ما تعلنه أو تصمت عنه، لا يعني أحداً إلا الداخل الذي يدفع ثمن سياساتها المباشرة وقوتها التي تمارسها عليه.
قد يكون استدعاء الحرب ضد إسرائيل مخرجاً انتحارياً لفك عزلة الحركة، رغم أن الحل الأصعب والأقل كلفة، هو تقييم تجربتها في الحكم وما خسرته في علاقتها بحاضنتها الشعبية في قطاع غزة، الحل هو التخلي عن حكم وإنهاء الانقسام، قد يبدو ثمناً كبيراً - بنظر بعض قياداتها-، ولكنه قليل إن أدركت أن رهانها على أي طرف عدا هذه الحاضنة هو انتحار وهزيمة لن تنتصر بعدها.